الخميس، 26 ديسمبر 2013

إغتيال الحلم!.



 حدق المهندس المعماري ذو الخمسين عاما في أرجاء بلدته الصغيرة، تفحص تقاسيم ملامحها بدقة. كان يطل عليها من خلف النافذة الكبيرة لمكتبه. الذي يقع في الدور الخامس من مبنى الشركة التي يعمل بها.
 فجأة قفز من مكانة جريا ليمسك ورقة وقلم؛  فثمة فكرة تأججت في ذهنة. وراحت تطرق باب مخيلته بشدة، طالبةً منه السماح لها بالدخول، ومجبرةَ إياه على التفكير فيها بشكل جاد. لهذا راح يضع تصورا دقيقا لها. عله بهذا يرضيها ويرضي نفسه الطامحة للتجديد.


 أمسك بحاسوبه، ونقر على لوحة المفاتيح بكل حماس ليكتب طلبه على الشبكة العنكبوتيه، وفي ثوان ظهرت له خريطةً  جوية لبلدته. أخذ  يركز فيها ويقرب تفاصيلها أكثر وكثر.

ثم صرخ بصوت عالي وقد تلبسه الفرح : نعم هنا.. هذه هي المنطقة المناسبة.  يا إلهي إنها لفكرة رائعة. إذا نجحت في التخيطيط  الدقيق لها، وجسدتها على هذه الأوراق كما يجب،  فإنها ستغدو مشروعا  ضخما، سينمي هذه البلده، بل لعلهم يتوسعون فيه فينشأونه في أكثر من منطقة. ولما لا إنه يستحق. نعم نعم يستحق ان يوهب الحياة. 


حدق في الخريطة مرة أخرى، وأخذ يتمتم بكلمات غير مفهومة من حين لآخر، وكأنه يخاطب تلك الفكرة المجنونة التي حركت الخلايا الرمادية المبدعه في عقله.
أخرج كل الأدوات التي يحتاج إليها وقال لنفسه بعزم يستحثها على بدأ العمل: إن الأمر لا يحتمل التأجيل، نحتاج إلى تنمية كل قطر في هذه الأرض؛ فهي لم تبخل علينا يوما بشيء. لن اغادر المكتب إلا بعد ان انهي هذا العمل.

لم يعد إلا منزله في ذلك اليوم إلا بعد منتصف الليل، فقد عكف على مخططه، بعد أن وعد فكرته بأن يريها النور قريبا.


إستقبلته زوجته بقلق : ما بالك تأخرت يا زوجي العزيز؟ لقد إتصلت بك عشرات المرات.  ألا تدري كم أرعبني غيابك!؟.
رأى القلق في عينيها، كما رأى حركة شفتيها، ولكنه لم يسمع شيئا مما قالت.  كان مخمورا بنشوة الحلم حتى الثمالة. أمسك بيديها وقال: سترين شيئا رائعا ذات يوم.

أخرج الورقة التي كانت مخبئة في جيبه، وأشار إلى التصميم الهندسي الذي أبدع في رسمه. وراح يهز الورقة امامها بفخر انعكس على محياه
 أعذريني يا عزيزتي كنت منشغلا بهذه الفكرة، لم أهدأ إلا بعد أن انهيت تخطيطها بشكل دقيق.
حدقت في وجهه النابض بالفرح، ثمة بريق مختلف في عينيه المتلئلئتان، وكأن شعاع من الأمل يخرج منهما، ردت عليه بإعجاب: حقا إنه تصميم بالغ الدقة. ثم نظرت إليه بعتب وأردفت: ولكن أهو مهم لهذه الدرجة التي تجعلك أصم عن سماع الهاتف؟

ابتسم بكل ثقة وقال: لا عليك ربما لا تدركين الآن كيف أنه يستحق كل هذا. غدا عندما ترينه بأم عينيك ستأتين لتباركين لي هذا النجاح غير المسبوق.

نظرت إليه بحيرة. وبعين يغالبها النعاس همست  له بود: إني أتمنى لك التوفيق يا عزيزي، وأرجو أن أراه قريبا على أرض الواقع؛ لأشاركك  فرحتك.


في صباح اليوم التالي إنطلق الى البلدية وطرح عليهم فكرته، كان يشرح أدق تفاصيلها بكل حماس.
بعد ان أنهى حديثه ، قال له مدير البلدية بصوت رتيب :
-  سننظر في الأمر، يبدو لي أنه مشروع جيد. ولكننا لا نستطيع الرد عليك بشيء الآن.  نحتاج إلى عقد جلسة  نجتمع فيها بالخبراء والمسئولين حتى نبت في الأمر.
ثم قدم له ورقة وطلب منه تدوين بياناته ليتمكنوا من التواصل معه.

خرج من مبنى البلديه وهو يردد : مشروع جيد!، مشروع جيد!، أيها المدير لقد خانك التعبير، كان يجدر بك القول أنه مشروع ممتاز. لكن لا بأس سأنتظر ردكم بفارغ الصبر.
مر إسبوعان ولم يأتي الرد. رأته زوجته يذرع الغرفة جية وذهابا وهو يحدق في الهاتف الساكن في الزاوية من حين لآخر.أخبرته بأن الأمر قد يكون أصعب مما يظن ولابد له ان ينتظر، لذا اخذ بكلامها مصبرا نفسه. كان يمني نفسه بسماع خبر سعيد، يجدد الحماس في داخله. وكان يطيل التحديق في سماعة الهاتف، و تنتفض كل ذرة من كيانه عندما يسمع صوت رنينه، ولكنها سرعان ما تهدأ وتسكن في خنوع  يائس.


بعد طول انتظار قرر الذهاب إليهم مرة أخرى، قال في نفسه لعلهم فقدوا رقم هاتفي، من يدري كل شيء محتمل.   
لم تغب عن عينه رؤية نظرة الاستياء في وجه مدير البلدية لمجرد رؤيته، وعندما سأله عن المشروع رد عليه المدير بضيق: لم انت عجول يا رجل؟ لقد اخبرتك بأننا سندرس الأمر. إن هذه المسألة  تحتاج لخطط وإستراتيجيات دقيقة. لا شيء في هذه الحياة يحدث في يوم وليلة يا أخي.
خرج هذه المره من مبنى البلدية يجر أذيال الأسف والخيبه. كان يتوقع ردا غير هذا، او على الأقل  تمنى أسلوبا  لائقا يواسي  حلمه الذي بدأ يفتر.


ومرت الأشهر والإتصال لم ياتِ، كلما هم برفع السماعة  ليستفسر تناهت إليه عبارات المدير " نحتاج لعقد جلسه" " المسألة تحتاج لخطط وإستراتيجيات" " لا تقلق سندرس الأمر" " لا تكن عجولا" وشيئا فشيء تلاشى الحلم ، وقد يأس من إمكانية تحقيقه. 



بعد مرور السنوات كان المهندس الذي غدا مسنا يتكئ على عصاه  يمشي عائدا إلى منزله بالقرب من مبنى البلدية، وبينما هو كذلك إذا بالرياح تطاير الأوراق المكدسه أمام مبنى البلدية. إلتصقت ورقة  صفراء  بوجهه. أمسكها بيد ترتعش. إتسعت حدقتا عينيه للحظه ثم أغمضهما بألم . عبرت دمعة حارة تجاعيد وجهه لتسقط على الورقة.

أنزل يده التي كانت تمسك بمشروعه القديم بتثاقل كبير، عاتب نفسه التي سمحت له بأن يحلم بهكذا مشروع، ولم تذكره بأنه يعيش في مجتمع يغتال الإبداع والمبدعين.
تساقطت الدموع من عينية وراح يردد : رحمة الله عليك يا حلمي قتلوك في مهدك، فصبرٌ جميل.

أخرج قلم من جيبه وكتب على الورقة " تم إغتيال الحلم الأغر"، علقها في الجدار ومضى.


تمت.

السبت، 9 نوفمبر 2013

كن خالداً بإحسانك



 أن تكون محسنا يعني أن تحمل في قلبك حبا كبيرا يسع الكون بما فيه، فلا تحمل في ذلك الجزء المخبأ بين أحشائك ضغينة لمن حولك. ولا تمنعك  قومية ولا عصبية عن مد يد العون لمنيختلف عنك أو معك. تبادر دائما لأن تنشر بذور السعادة في كل من حولك.



حتى لأؤلئك الذين تفننوا في إذاقتك صنوف الألم، ينتفض الشريان المحمل بكريات الإنسانية في داخلك؛ إذا ما وجدتهم في حال أضعف منك. وفي أمس الحاجة إليك. تقاوم رغبة الشر التي قد تحاول تحريضك ضدهم وتهمس لك أن "آن أوان الانتقام "!. أوليس في سيد البشر قدوة لنا ونحن  نتحدث في هذا الصدد؟
واجه من قومه ما واجه. عُذِب وأخرج من أحب بقاع الأرض إليه، أوذي في أهله، قتل أصحابه واحدا إثر الآخر. ولكنه وهو القائد المنتصر قال لهم عبارته الحية عبر السنين " إذهبوا فأنتم الطلقاء ". هذه هي قمة الإحسان؛ تعفوا عن الخلق وأنت في أعلى درجات قوتك.
عندما تشعر بالألم يعتصر كيانك، وتسقط الدمعة تلهب خدك لرؤية البؤس يعشعش في العالم من حولك. عندما ينبض قلبك بالرحمة لكل شيء حولك، فيدفعك كل هذا لأن تبذل ما تستطيع لتغيير الواقع للأفضل؛ تجود بما لديك، تحنو بيدك لتمسح دمعة وترسم بسمة في الوجوه. عندها ثق بأنك لاتزال على قيد الحياة، وأنك لازلت إنسان فبالإحسان تعيش معاني اللإنسانية.
من المواقف العالقة بذهني، رغم تقادم الأيام عليها، موقفين لا أظن أني سأنساهما. الأول : كان لنا ذات يوم قطة صغيرة، أصيبت بجرح كبير في ظهرها، وفي كل يوم كان الجرح يزداد. كان شكلها يثير في النفس الألم. ولكننا كنا خائفين من عمل أي شيء لمساعدتها. حتى أننا قررنا إخراجها من المنزل؛  لأن الدم كان يملى المكان عندما تأتي. باستثناء اختي التي اتخذت موقفا نبيلا، أخذت القطة بين يديها وضمدت الجرح وطهرته. إلى أن تمكنت من إيقاف النزيف. ومنذ ذلك اليوم كلما خرجت أختي من المنزل كانت القطة ترافقها إلى منتصف الطريق وتظل تنتظر الى أن تغادر أختي تماما ثم تعود. بقيت القطة وفية لمن مد لها يد العون.الى أن قضت نحبها.
إذا كانت هذه ردة فعل قطة صغيرة وهي لا تعقل شيء، فكيف بإنسان تعينه على قضاء حوائجه. تخفف عنه ما يجد، سيظل ممتنا لك دائما. وسيذكر إحسانك حتى وإن نسيته أنت. والأكثر من ذلك كن على ثقة بأن هذا الاحسان سيعود إليك مرة أخرى ليسعدك؛ فهذا قانون ثابت، وهي سنة الله في خلقه"ما تفعله سيعود إليك إن خيرا فخير وإن شرا فشر".
وهذا يقودني للحديث عن الموقف الآخرالذي حدث لي شخصيا، أراه ماثلا أمامي الآن وأنا أهم بتسطيره هنا. عندما كنت في الصف الخامس الإبتدائي، وبالتحديد في آخر دقائق من الفسحة، كنت عطشى ولكن ثلاجة الماء كانت مزدحمة. ولإني كنت أصغر من أن أزاحم الجمع الغفير المجتمع حولها؛ فقد وقفت بعيدا أنتظر الى أن يخلو المكان. ولكن إحدى الفتيات رأتني وأخذت بيدي لأتمكن من الشرب. من يومها وأنا أشعر بالإمتنان لتلك الفتاة، لا أراها الا وأرى إحسانها معها.

وكم من المواقف التي تؤكد لنا أن الإحسان محال أن يُنسى أو يضيع. فالجزاء من جنس العمل. حتى أشرس الناس طبعا وسلوكا يصبح لينا خاضعا إذا أحسنت إليه. وقد صدق أبوالفتح البُستي حين قال: "أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم    فلطالما استعبد الانسانَ إحسانُ".
وفي قوله تعالى : " وهل جزاء الاحسان إلا الإحسان" دليل واضح ووعد رباني بأن ما تقدمه لغيرك لن يذهب أدراج الرياح. ولعل هذا يذكرني بتلك القصة التي حكت أن أحد الأطفال سرق أدوية لوالدته المريضة، وعندما همت صاحبة المحل بأخذها منه جاء رجل ودفع قيمة الأدوية. وبعد مرور السنوات أصيب الرجل بإصابة بالغة كلفته الكثير. وبينما إبنته الوحيدة مهمومة تفكر كيف تسدد قيمة العلاج إذا بفاتورة العلاج تأتيها وقد كتب فيها " تكاليف العلاج سددت منذ 30 سنة".تعجبت الفتاة، وعندما سألت عن الشخص الذي دفع تكلفة العلاج؛ أخبرها  الطبيب انه هو من قام بهذا، وهو نفسه الطفل الصغير الذي سرق الأدوية منذ 30 سنة!.
 لاعجب والمبدأ يقول"اسعد الناس يسعدك رب الناس" هذا المبدأ سيضفي على حياتنا لونا آخر إذا آمنا به وجسدناه في سلوكنا. كيف لا وربنا سيد المحسنين يحثنا على الإحسان ويعدنا بمحبته " و أحسنوا إن الله يحب المحسنين".وماذا نريد أكثر من محبة الله؟ كم هو ثمن زهيد ذلك الذي ندفعه مقابل هذه المحبه.  
                      
لنجرب فقط أن نضمن قائمة الأعمال التي نريد إنجازها في كل يوم عمل نحسن به الى الآخرين، حتى وإن كان مجرد إبتسامة في وجوه من حولنا، أو بإماطة الأذى عن الطريق؛ وستذهلنا النتيجة، سيصبح الإحسان مبدأ لا نحب حياتنا بدونه. لنحسن لكل شيء للبشر، للحيوان وللأرض التي نعيش فيها.
كن محسنا وبجميل الأثر إحجز لنفسك مقعدا مع الأرواح الخالدة.

الجمعة، 8 نوفمبر 2013

فلسطين حكاية لم ترو بعد






عندما افتح ملف بلاد الاسراء اجد الجراح لاتزال تنزف، منذ1948م والجرح لم يلتأم بعد وكأنه وقع بالأمس ، ولكن الفارق بين الامس واليوم هو ان عمق الجرح قد زاد !.
اربعة وستون عاماً مضت ، لم تخلف في رصيدها سوى مزيد من الدمار، مزيد من القتل، والمزيد من التهجير ومزيداً من الاستيطانومزيدا من قطع الاراضي المسلوبة من هنا وهناك في حين ان هذا كله لم يقابل الا بالمزيد من الاتفاقيات و المزيد من المعاهدات والزيد من الجلسات. ..و و و الخ.
ولكن السؤال هنا.. بماذا خرجنا من كل ذلك؟ ولصالح من تكون النتيجة دائماً؟
لقد برر الاحتلال منذ اربعة وستون عاماً خلت موقفه بحجة تافهة وقاللقد اتينا بعد ان وجدنا الارض فارغه.. فقد اخلى العرب لنا الارض بمحض ارادتهم !!.
وهو تبرير واهٍ فإذا كان العربي قد نزح من ارضه فهذا لان هناك من وعده بأنه سيعود اليها يوماً بعد ان يتم طرد المحتل الغاصب خارجاًرحل العربي تاركاً مفتاح بيته في مكانه، كأنه خرج في الصباح ليعود اليه قبل الغروب.
رحل ملتفتاً بين الحين والاخر، وهو يداري دمعه مخافة ان لا يعود، فقد رحل بعد ان جار العدو و عثي فساد في اراضيهم.. رحل خائفاً على مستقبل اسرتهلم يدري وقتها وهو يرحل ان غربته ستطول، لا لشيء سوى ان من وعده لايزال غير قادر على تنفيذ الوعد!!.
وفي ظل القضايا المعاصرة ، والاحداث الراهنة ، بدآ العالم يتناسى شيئا فشيئا القضية الفلسطينيةتلك القضية العربية الاسلامية التي تجثم فوقها ستون الف وزيادة من علامات الاستفهام والغموض ، واني ارى ان كل ما يحدث في الشرق الاوسط ما هي الا جذور ممتدة من قضية ارض القدس الحزين.
فإذا تمكنا من استئصال موقع التقاء هذه الجذور السوداء سهل علينا بعدها التخلص منها جميعا.
لكن ما يحدث حقيقةً على ارض الواقع اننا انشغلنا بتلك الفروع المتنامية ولم نلقي بالاً للأصل وعندما يحدث ما يذكرنا به ويحاول تنبيهنا ان مكمن الخطر فيه ننظر اليه شزراً ونبرر صمتنا بالقول سنأتي لنقتلعك فيما بعد.. فما كان منه الا ان تضخم واتسع ، ووجدنا بعدها انفسنا حيرى وما عدنا نستطيع معرفة اين نوجه انظارنا ، هل الى اليمين ام الى اليسار ام الى الشمال ام الجنوب؟!!.
ففي الواقع لقد وجدنا المصائب في كل جانباصبحنا في بؤرة الخطر لا ندري بأي مصيبة نبدأ!
لقد قال الحبيب في معنى حديثهستتكالب عليكم الامم ،قيل امن قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال لا ولكنكم غثاء كغثاء السيل!.
صدقت يا حبيبي يا رسول الله ، فأمة المليار لم تعد تدري اين الخلاص؟ ففي كل يوم يلد في صحن مآسيها وليد، ما عادت تعرف كيف تعيد ماضيها التليد؟!.
يجب ان نعود لقضيتنا الرئيسية ، لنعد الى فلسطين الابية، لنلملم شعث امتنا فلا تزال في فلسطين خبايا تحت الركام ، لا يعلم عنها احد إلا الله.
منذ أيام قليلة قتل الجعبري ليفتح ملف جديد، ملف متشبع برائحة الغضب والتهديدات من كلا الطرفين ، فحركة حماس تأبى إلا  أن تكيل الكيل للغاصب وتذيقه طعم جريمته علقماً ، وإسرائيل تعد العالم بأنها ستطهر القطاع من إرهابي القسام.
والمدنيون هم الضحايا دائما .. وما على العالم الا ان يطلع الى نشرات الاخبار ليصله عدد الضحايا من الأطفال والنساء وعدد الجرحى أين وصل؟
وعليه ان يعقد الجلسات ليبحث في الامر ثم ماذا؟ ماذا بعد؟
الشارع الفلسطيني في غزة يشتعل غضباً ، يريد ان يأخذ الثأر ، فهل سيكون هذا إيذانا بعهد جديد؟ أم صفحة دموية تطوى لتنظم إلى سابقاتها من الصفحات؟
فلسطين يا قضية أمة  الإسلام، لا تزال حكايتك تنتظر اليوم الذي ستروى فيهلا يسعنا سوى ان ننظر الى الاحداث بشيء من الترقب ونأمل أن لا يطول هذا الانتظار.
فلسطين يا عشقي الأبدي، سيأتي يوم تضمدين فيه جراحك وجراح الأمة اجمع.
يوم يزحف إليك جيش صلاح الدين .. يوم تكون شعوبنا العربية والإسلامية كقبضة يد واحده.. مجتمعة تحت لواء الإسلام لا غير، جيوش تهز الأرض هزاً.
إلى أن يحين ذلك اليوم .. سنظل نعمل لنرقى بأنفسنا وبتفكيرنا ، لنكون نحن هذا الجيل الذي سيعيد المجد.
لست سوى فرد في هذه الأمة ، لا املك سوى قلمي لأعبر عن أسفي لما يحدث.. لكي أوصل فكري لكل عربي ولكل مسلم غيور على هذه الأمة..
فعندما يصلح كل منا نفسه وعندما نخطط لنصنع غد افضل ..وعندما نتبع كل هذا بالعمل الصادق .. عندها حقا سنستبشر خيراً بشباب الإسلام.
ومع احرف كلماتي أقول في النهاية .. إن غداً لناظره قريب.

ربيع عربي ام أوراق خريف متساقطة




شهد وطننا العربي في الآونة الأخيرة ثورات طافت في أرجائه شمالا وجنوب ، شرقا وغربابتدأت في تونس ولاتزال قائمة حتى اليوم في سوريا.
كانت شرارة الانطلاقة صاعدةً من جو الظلم والجور والعدوانعندما حرم شاب تونسي من لقمة عيشه ، وتم مصادرة مصدر رزقه الأوحد ، فلم يجد حلا غير الانتحار ليلوذ بالفرار من دنيا البشر المليئة بأوحال الفساد القذرة ، وقام بإحراق جسده الذي عانى لسنوات طوال مرارة العوز والحاجه ، وقد كان تصرفه هذا ايذاناً بميلاد عهد جديد ، عهد يرفع لآفة كتب عليها بخط عريض لا للظلم"وتصاعدت الهتافات عاليا تهز الاجواء هزا عنيفاً حرية ، حرية "
فالإنسان قد يضحي بكل ما يملك ولكنه محال أن يضحي بحريته ، في عالم تسود فيه شريعة الغاب ، تلك الشريعة التي باتت مغلفة بغلاف السلام الوهمي!!.
وانتفضت ذرات الوطن العربي بأكمله ، فقد آن الاوان لكي يتم كسر حاجز الصمت المطبق الذي عشعش في المجتمعات سنين مغبرة ، آن الأوان لتتحرك الشعوب وتعلن عن مطالبها التي حرمت منها فيما مضى.
واذا ألقينا نظرة خاطفة للأوضاع الاجتماعية التي كانت سائدةً في المجتمعات العربية قبل اندلاع الثورات ، لرأينا حالاً مؤسفاً حقاً ، فالطبقية واضحه للعيان وفي كثير من مجتمعات الثائرة كانت الطبقة الوسطى مخفيه ان لم تكن متلاشيه تماماً ، كان الفساد الاداري يجول ويصول ضارباً بالقيم الأخلاقية عرض الحائط ، كان الشاب الجامعي يهيم على وجه الارض باحثا عن مكان يحتضن شهادته التي قضى زهرة عمره في تحصيلها وفي رسم طموحاته الكبيرة عليها، باختصار كان الحال مترديا جدا لدرجة ان السكان ما عادوا يجدون غير القبور ليعيشوا فيها!
وبعد أن اشتعلت نيران الغضب في شوارع العالم العربي ، سقطت أنظمة حاكمة في كل من تونس وليبيا ومصر واليمن ، بينما لاتزال النهاية مجهولة في سوريا ، لاتزال ترقد هناك في مرقدها الخفي تنظر للأحداث بعين داميه إلا أن يحسم البشر ما بينهم.
وفي دول أخرى أسفرت تلك الثورات عن إصلاحات اجتماعية واقتصادية وسياسية ، تماشياً مع مطالب الشعوب.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا ، أهو ربيع عربي مزهر كحال كل ربيع ؟أم أن ما يحدث مجرد تساقط أوراق خريف؟
هل ستنجح الشعوب في تحقيق مآربها ؟ والى أي مدى يمكن أن تصل الحكومات الجديدة في قدرتها على ترسيخ الحكم العادل؟
فما خلفته هذه الثورات ليس بالأمر الهين ، المجتمعات تمر الآن بمرحلة ميلاد جديد ، مرحلة تحدي أمام الأنظمة القائمة ، إما أن تثبِت مقامها او تلملم أوراقها وترحل مثل سابقتها فسقوط الأنظمة الفاسدة مجرد خطوة اولى ، أو لنقل طوب الاساس لبناء التغيير، إذ لاتزال الاوضاع غير مستقرة ، لاتزال الهمهمات المتسائلة من هنا وهناك تحوم في الافق الى أين نصل من كل هذا؟ ولعل هناك من اغمض عينيه متنفساً بعمق بعد أن مزق صورة الامس راسماً في مخيلته صورة مثالية لحال مجتمعه بتولي نظام جديد مقاليد الحكم!.
تحتاج الحكومات الجديدة الى خطط تنموية مستديمة جديدة ، تساير التقدم الحاصل في العالم أجمع ، إنها الآن أمام تحدي قوي ، فهي لابد أن تعيد الاستقرار أولاً إذ لاتزال حرارة الثورة في نفوس جموع الشعب ، لابد أن تضع في حسبانها أن شعوبها صارت أكثر وعياً من الامس ، ولابد أن تحتوي هذه الخطط وهذه السياسات الجديدة جميع جوانب المجتمع فلا تركز على جانب دون آخر ، وعليها أن تنظر الى صفحة الأمس نظرة من وعى الدرس ، والى المستقبل نظر تحدي تحمل في طياتها بذور التعقل والفطنة.


لا يسعنا سوى أن ننظر الى الغد بإشراق ، وأن مستقبل جديد سيكون في انتظار الأمة العربية والإسلامية ، فعهد الظلم والطغيان قد ولى بعد أن صحت الشعوب من مرقدها ، لنشيد بأنه كان ربيع عربي ليس كأي ربيع ، ربيع سيدوم أثره في كل الفصول ، لا نريد أن نقول تلك حقبة من الزمن مرت على عالمنا العربي كخريف مقيت أسقط أوراقه وأبقى الأشجار بلا لحاف تتدفئي به، وتعيد بها دورة حياته من جديد.

خرفان المولى





"إن البؤس لا يؤمن بواحات السلم ، انزع له لجامه ستراه ينقض على سعادة الآخرين
وإذا أردت الرهان على وحش دائم ، اختر واحدا من بين المعوزين ، فجأة سيحلم بإمبراطورية غاصة بالمذابح والعاهرات وإن كان يملك جناحين سيرغب في استخلاف الشيطان."

هكذا تحدث ياسمينه خضرا بلسان إمام المسجد في روايته خرفان المولى ، في البداية تعجبت من مسمى الرواية خرفان المولى " !! ولكن من خلال قراءتي لها تكشفت لي حقائق تعكسها أحداث الرواية تحكي عن قضية أمة وليست قرية صغيرة كما تبدوا في الرواية.

فما قاله خضرا أراه ينطبق على ما نشاهده في واقع شعوبنا العربية ، خصوصا وهي تمر الآن في مرحلتها الثورية ، فمن أشعلوا شرارة الثورات بدئوا بتحريك الفقراء ، الضعفاء والبؤساء ، الذين ما إن أمسكوا السلاح بأيدهم حتى بدأت أعمال التخريب والعنف ، واللذين يحركونهم يشاهدون مسرح الأحداث بما يحتويه من مجازر وعنف وعدوان ، دون أن يلحقهم من ذلك سوى الاستمتاع بنشوة السيطرة و القوة الزائفة ويحركهم في ذلك الانقضاض على كرسي السلطة!.

لو تم تطهير العقول من التبعية العمياء ، بحيث لا يصبح الواحد إمعة لأي كان ، سواء لحزب متعصب أو لفرد يتكلم بصوت المجتمع أو الدين ليحقق مصالح فردية بحته ، لسلمت مجتمعاتنا من أشكال الفساد الاجتماعي الذي نراه طاغيا على أوضاع الشرق الأوسطفالفرد حينها سيحكّم عقله فيما يراه صائبا أو ما يجب أن يحظى بالقبول المجتمعي بدل من الخضوع لصناع الرأي، وكأن الرأي بات حكرا على فئة معينة وما على السواد الأعظم سوى الانقياد!.

في حقيقة الأمر كثيرا ما انشغلت بالتفكير في مسألة الإتباع والانقياد ، فبإلقاء نظرة على حال المجتمعات نجد ذلك الصنف من البشر الذين يتمسكون بآراء شخص ما وكأنها لهميستميتون في الدفاع عنها بمجرد أن يتم حشوها في رؤوسهم،وهذا ما ولدّ نوع من التعصب الأيديولوجي وخلق طوائف متنازعة.
عندما حاول العلماء تفسير القيادة وكيف يمكن لقائد أن يؤثر في أتباعه انقسمت محاولاتهم التفسيرية ، بعضهم قال أن أغلب البشر لديهم استعداد لان يكونوا أتباع ولا يرغبون في تحمل المسئولية او تولي زمام أمر ماأما التفسير الآخر قال أن القيادة ظهرت بسبب وجود أفراد لديهم قدرات فطروا عليها تمكنهم من القيادة والتأثير في الآخرين.
إذا ما أردنا إسقاط ما سبق على مجتمعاتنا لمعرفة أي التفسيرين ينطبق عليها سنجد أن الأوضاع الطافية في الوقت الحالي تكشف لنا أن التفسير الأول أكثر بروزا ، السواد في المجتمع مستعد لتلقي الأوامر من قواد الجماعات التي ينتمون إليها ، وقد أشار الباحثين أن الفرد عندما ينتمي إلى جماعة فإنه يقوم بتحقيق أمرين لابد منهما الانتماء والتقبل وهذا ما يدفع الفرد إلى مجاراة الجماعة في ما تتبناه من أراء و أفكار وإن لم يكن مقتنعا بها في بعض الأحيان خوفا من أن يتم رفضه من الجماعة، خصوصا إذا ما كانت هذه الجماعة تشبع حاجات مهمة بالنسبة له.ودور هذه الجماعات يتعاظم عندما تشيع روح القهر الاجتماعي وغياب العدالة الاجتماعية من المجتمعاتلان المستضعفين حينها يكونون في اشد الحاجة لمن يحتوي مطالبهم ويساعدهم على التعبير عنها ، مستعدين مقابل ذلك لأن ينفذوا كل ما يملى عليهم!
"خرفان المولىهو المسمى المناسب الذي رأه الكاتب ملاصقا لهذا النوع من البشر الذين نطلق عليهم ب الإمعة ". حيث ينقاد البشر للهاوية لا لشيء سوى انهم يخافون من البقاء في معزل عن القطيع وإن كان ذلك القطيع يقوده راعيه نحو الهاوية!

الجمعة، 25 أكتوبر 2013

رسائل في ورقة مهملة






عندما كنت في المدرسة كنت اقوم بحركة طفولية  ،  كنت كلما وجدت ورقة ممزقة ومرمية على الأرض ألتقطها لأقرأ ما فيها ..
في الحقيقة أشعر أن هناك علاقة ود بيني وبين الورق ، ولعل هذا قد يصفح عن فضولي ذاك .

اليوم وبعد مرور سنوات قمت بالفعل ذاته .

ورقة ملاحظات برتقالية اللون ، مطوية بشكل منظم ، وجدتها في زاوية غريبة . ليست مكانا يمكن ان تجد فيه مثلها .
 رؤيتها حركت تلك الرغبة في داخلي ، إلتقطها وفتحتها ثم رحت أقرأ ما حوته .

كان فيها مجموعة من الاعمال التي ترغب كاتبتها في تنفيذها في اليوم التالي . كانت قد نوت الاستيقاظ في وقت السحر لتقرأ اذكار الصباح وتذكر الله ..
1- الدرس الاول هنا ، والذي امليته على نفسي ( ذكر الله خير فاتحة نستقبل به  يوم جديد وكل عمل نقوم به )

ثم دونت صاحبتنا المجهولة  عملها التالي وهو : إيقاظ زميلاتها لصلاة الفجر . قد يبدو هذا امر عادي جدا بالنسبة للكثيرين . ولكني في تلك اللحظة غبطت صاحبتنا لنيتها تلك ، أي أجر ستنالة من قيامها بهذا !! 

2- الدرس الثاني : ( لاتحقر من المعروف شيء ، لا تدري بأي عمل سيغفر الله لك ).

والعمل الثالث الذي دونته هو المذاكرة ، كتبت تقول : " غدا سيكون يوما للمذاكرة وللجد والاجتهاد في سبيل العلم ونصرة الدين ونفع الأمة الإسلامية ."

حقيقة وقتها وقفت أحدق في الورقة الصغيرة بإعجاب . وجود مثل هذا التفكير ، مثل هذه الاهداف هو ما نحتاج اليه . هذا درس رائع آخر .
3- لماذا أتعلم ؟ لماذا أعمل ؟ ، يجب أن أسأل نفسي هذا وافكر مليا قبل الاجابة . ( ربط العلم والعمل بهدف أسمى واخلاص النية فيه سيجبلب لنا التوفيق من الله ).


هي دروس صغيرة ، لكن وقعها في نفسي كان كبيرا . لذا أحببت أن أنقلها لكم . ولصاحبتنا المجهولة أقول : ممتنة لك لهذه الرسالة التي استلمتها منك بدون قصد . ورقتك الضائعه علمتني الكثير ، فلك بعد الله كل الشكر ^_^ 

الثلاثاء، 10 سبتمبر 2013

"غيوم رمادية من صنع البشر!! "







 وقفة (1)..

 يكثر في مواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام ذلك الصنف من البشر الذي يتشح بوشاح الحزن. ويثبّت ربطة  ياقته السوداء بإحكام حول عنقه  ، كأنه قيد ثقيل من الصعب أن ينفك عنه !   البعض تكاد لا ترى بين سطورهم عبارة تنطق بالفرح.. أو صورة بلون الربيع..   أبيات أشعارهم تقطر دمعاً ، لا اعلم إن كانت دموع صادقة أم مجرد دموع تماسيح.   كل ما اعلمه انهم لوثوا الأسطر بلون قاتم..واشعلوا جوا كئيبا .جو بلون الرماد..كتلك الغيوم المخيفة التي نراها في سمائنا . غير أن الفرق بينهما  هو أن غيوم السماء مهما أشعلت فتيل الخوف لدى البعض ، إلا أن دواخلهم قد تستبشر خيرا بما ستحمله من خير بإذن ربها.
   ولكن أي خير تبعثه تلك الأدخنة المتصاعدة من عمق السطور ؟!

   وقفة (2)..

لست هنا اسخر من الحزن أو المحزونين ، كلا والله فما سلمت الدنيا لأحد من الكدر.   لكني أعيب على أولئك الذين سمحوا لطيور الحزن المهاجرة أن تعشش في رؤوسهم ،وقد تنتقل فِراخُها إلى غيرهم!     الحزن طاقة تعطل ملكات التفكير لدى الإنسان ، تشغله بما لن يعود عليه بنفع ولا بفائدة .. لذا كم هو مؤسف هذا الذي نراه في شبابنا.. هذا الاستسلام الواضح أمر مشين.   بل لا  يليق بطاقة كالحزن أن تتغلب على الآلاف من  الطاقات التي حباها الله للإنسان ..  فتسحقها وتخمدها!.
 وفي التاريخ عبرة لمن يعتبر.  فما انهزمت جيوشنا في مواقع كثيرة إلا عندما تفشي  الحزن في نفوس الشباب خاصة . وتمكن من قهرها ، وهو حزن لا يستحق! .
ولم يرد الحزن في القرآن إلا  منهيا عنه ، فالله لا يريدنا أن ننهزِم بهذا الشعور .يريد لخلفاءه في الأرض أن يكونون أقوى .لعلمه سبحانه بآثار الحزن  على الفرد وعلى المجتمع عندما تمتد شبكات الحزن عليه.   كقوله تعالى للمؤمنين "...ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الأعلون ". ومخاطبا مريم عليها السلام "فناداها من تحتها ألا تحزني..." وفي قصة موسى عليه السلام: "ورجعناه لأمه كي تقر عينها ولا تحزن... "
  أنحزن والله أمرنا بأن لا نفعل ؟ 

 وقفة(3)..

  هناك من يجعل من اللفظ الحزين ديدن له ، حتى وان لم يكن هو كذلك..  يرفل في نعم كثيرة ولكن لأنه يعاني من أمر بسيط تراه ينسى كل النعم ويعلن للعالم اجمع بأنه ذو حظ تعس!!  عجبا كيف يستقيم هذا الحال ؟ كيف للبعض أن يصل لهذه الدرجة من نكران النعم!  -اسأل الله أن لا نكون منهم-    لقد قال الله جل في علاه "وقليل من عبادي الشكور " أفلا نصبر على محنة لا تساوي شيء ونحمد الله لنكون من هذا القليل!    أخاف أن يصيبنا بجحودنا لنعم لله ما أصاب تلك القرية التي حكى لنا الله إنها كانت هانئة مطمئنة يأتيها رزقها من كل مكان ، فلما كفرت بأنعم لله أذاقها الله لباس الجوع و الخوف! .    ذات يوم اشتد بي التفكير في هذا الأمر ، رحت أسائل نفسي "يا ترى لما كل هذا الحزن الجاثم في نفوس البشر ، لما كلما فتحت  موقع اجتماعي أشاهد الكثير  من ذلك النوع الذي تنفر منه حدقتا عيني!  ".   قررت سؤال احدي الأخوات التي نادرا ما كانت عبارات الحزن تغادر تلك المساحة المخصصة للتعبير عن الحالة في برنامج "الواتس أب"
 عن سبب تلك العبارات الحزينة ، ضحكت وقالت مؤكِدة : "لاشيء لكنها تعجبني "!
 تعجبها!!  عجبا هل هناك من يستلذ طعم الحزن! ؟

 وقفة(4)..

 في المقابل هناك دائما أرواح قوية ، لا تعبأ بالمحن ،بل  تنظر إلى كل محنها بأنها منح ربانية وهذا مصدر قوتها.  أسبوعين لي  من التدريب في المستشفى ، رأيت فيهما مريض قضى -و لا يزال - شطرا كبيرا من عمره بين أقسام المستشفى ،ربما لم يرى ما عداها ، نظرا لصعوبة خروجه منه ، تكالبت عليه  أمراضٌ كثيرة  ، الشلل النصفي ،الفشل الكلوي ، صعوبة في  الكلام ، ورغم ذلك والله في ذينك الأسبوعين لم أشاهده إلا مبتسماً ! ، يتكلم بروح لم ترهقها وطأة المرض.. ورغم انه ودع شبابه وهو حبيس ذلك المكان ، واستقبل شيخوخته فيه ، إلا انه كان قويا في نظري ، أقوى بكثير من أولئك المعافين في أجسادهم المرضى في نفسياتهم!  ..
 "سالم" ، هذا هو اسمه ولعل في هذا الاسم خيرا له ، فهو حقا سالمٌ من شبح الحزن الأسود! .
 تحية إكبار لمثل هذه الأرواح.
  إن كنت معافى لا تشكو من شيء فلا يحق لك التذمر ، الصحة نعمة عظيمة لا يشعر بها إلا فاقدها ، ولذا قال الحبيب أنها نعمة مغبون فيها كثير من الناس!.
 وإن لم تقتنع بهذا زر اقرب مستشفى وانظر لحال المرضى ، وقد تتعلم منهم الصمود.. وتتعلم منهم اكثر من هذا "الحمد" لله واهب المنن و الإحسان.

 وقفة (5)...

 لاشيء في هذه الحياة يستحق أن نطيل الحزن عليه..   أحوال الدنيا تتبدل من حال إلى حال ، انت حزين اليوم ؟ إذن ثق بأن الله رحيم وهو لن يدعك تحزن طوال حياتك ، سيأتي فرج منه غداً .  دعونا نشن حملة قوية في وجه هذه الطاقة السلبية التي تنخر بنيان المجتمع إذ توهن قِوى اعظم موارده وهم "البشر ".

ولنسخرها في جانب آخر نقطف فيه الثمار..
  نعم احزن على تقصيرك في حق ربك وجعلها بداية نحو تغيير افضل.
 احزن إن فترت همتك ،وتكاسلتَ عن السير في درب النجاح ، واجعل من هذا الحزن نقطة ثم سطر جديد تعلن فيه بأنك لست مستعد لان تحزن اكثر بسبب إهمالك.
احزن لأجل المظلومين واجعل من حزنك أداة تذكرك بأن تفعل شيئاً لآجلهم . لكي لا تكون ميت الشعور.
ولكن إياك أن تحزن لتتهاوى في حزنٍ أكبر.

  و أخيرا ،، لنقشع تلك الغيوم الرمادية التي أخفت عنا جمال الحياة. فالسماء تبدو أجمل بزرقتها..  أدام الله الأفراح في قلوبكم ،، و ألهمكم الصبر في وجه صرُوف الحياة.. وأمدكم بطاقة لا تُطفئ شُعلتها موجةُ حزنٍ عابر.