السبت، 9 نوفمبر 2013

كن خالداً بإحسانك



 أن تكون محسنا يعني أن تحمل في قلبك حبا كبيرا يسع الكون بما فيه، فلا تحمل في ذلك الجزء المخبأ بين أحشائك ضغينة لمن حولك. ولا تمنعك  قومية ولا عصبية عن مد يد العون لمنيختلف عنك أو معك. تبادر دائما لأن تنشر بذور السعادة في كل من حولك.



حتى لأؤلئك الذين تفننوا في إذاقتك صنوف الألم، ينتفض الشريان المحمل بكريات الإنسانية في داخلك؛ إذا ما وجدتهم في حال أضعف منك. وفي أمس الحاجة إليك. تقاوم رغبة الشر التي قد تحاول تحريضك ضدهم وتهمس لك أن "آن أوان الانتقام "!. أوليس في سيد البشر قدوة لنا ونحن  نتحدث في هذا الصدد؟
واجه من قومه ما واجه. عُذِب وأخرج من أحب بقاع الأرض إليه، أوذي في أهله، قتل أصحابه واحدا إثر الآخر. ولكنه وهو القائد المنتصر قال لهم عبارته الحية عبر السنين " إذهبوا فأنتم الطلقاء ". هذه هي قمة الإحسان؛ تعفوا عن الخلق وأنت في أعلى درجات قوتك.
عندما تشعر بالألم يعتصر كيانك، وتسقط الدمعة تلهب خدك لرؤية البؤس يعشعش في العالم من حولك. عندما ينبض قلبك بالرحمة لكل شيء حولك، فيدفعك كل هذا لأن تبذل ما تستطيع لتغيير الواقع للأفضل؛ تجود بما لديك، تحنو بيدك لتمسح دمعة وترسم بسمة في الوجوه. عندها ثق بأنك لاتزال على قيد الحياة، وأنك لازلت إنسان فبالإحسان تعيش معاني اللإنسانية.
من المواقف العالقة بذهني، رغم تقادم الأيام عليها، موقفين لا أظن أني سأنساهما. الأول : كان لنا ذات يوم قطة صغيرة، أصيبت بجرح كبير في ظهرها، وفي كل يوم كان الجرح يزداد. كان شكلها يثير في النفس الألم. ولكننا كنا خائفين من عمل أي شيء لمساعدتها. حتى أننا قررنا إخراجها من المنزل؛  لأن الدم كان يملى المكان عندما تأتي. باستثناء اختي التي اتخذت موقفا نبيلا، أخذت القطة بين يديها وضمدت الجرح وطهرته. إلى أن تمكنت من إيقاف النزيف. ومنذ ذلك اليوم كلما خرجت أختي من المنزل كانت القطة ترافقها إلى منتصف الطريق وتظل تنتظر الى أن تغادر أختي تماما ثم تعود. بقيت القطة وفية لمن مد لها يد العون.الى أن قضت نحبها.
إذا كانت هذه ردة فعل قطة صغيرة وهي لا تعقل شيء، فكيف بإنسان تعينه على قضاء حوائجه. تخفف عنه ما يجد، سيظل ممتنا لك دائما. وسيذكر إحسانك حتى وإن نسيته أنت. والأكثر من ذلك كن على ثقة بأن هذا الاحسان سيعود إليك مرة أخرى ليسعدك؛ فهذا قانون ثابت، وهي سنة الله في خلقه"ما تفعله سيعود إليك إن خيرا فخير وإن شرا فشر".
وهذا يقودني للحديث عن الموقف الآخرالذي حدث لي شخصيا، أراه ماثلا أمامي الآن وأنا أهم بتسطيره هنا. عندما كنت في الصف الخامس الإبتدائي، وبالتحديد في آخر دقائق من الفسحة، كنت عطشى ولكن ثلاجة الماء كانت مزدحمة. ولإني كنت أصغر من أن أزاحم الجمع الغفير المجتمع حولها؛ فقد وقفت بعيدا أنتظر الى أن يخلو المكان. ولكن إحدى الفتيات رأتني وأخذت بيدي لأتمكن من الشرب. من يومها وأنا أشعر بالإمتنان لتلك الفتاة، لا أراها الا وأرى إحسانها معها.

وكم من المواقف التي تؤكد لنا أن الإحسان محال أن يُنسى أو يضيع. فالجزاء من جنس العمل. حتى أشرس الناس طبعا وسلوكا يصبح لينا خاضعا إذا أحسنت إليه. وقد صدق أبوالفتح البُستي حين قال: "أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم    فلطالما استعبد الانسانَ إحسانُ".
وفي قوله تعالى : " وهل جزاء الاحسان إلا الإحسان" دليل واضح ووعد رباني بأن ما تقدمه لغيرك لن يذهب أدراج الرياح. ولعل هذا يذكرني بتلك القصة التي حكت أن أحد الأطفال سرق أدوية لوالدته المريضة، وعندما همت صاحبة المحل بأخذها منه جاء رجل ودفع قيمة الأدوية. وبعد مرور السنوات أصيب الرجل بإصابة بالغة كلفته الكثير. وبينما إبنته الوحيدة مهمومة تفكر كيف تسدد قيمة العلاج إذا بفاتورة العلاج تأتيها وقد كتب فيها " تكاليف العلاج سددت منذ 30 سنة".تعجبت الفتاة، وعندما سألت عن الشخص الذي دفع تكلفة العلاج؛ أخبرها  الطبيب انه هو من قام بهذا، وهو نفسه الطفل الصغير الذي سرق الأدوية منذ 30 سنة!.
 لاعجب والمبدأ يقول"اسعد الناس يسعدك رب الناس" هذا المبدأ سيضفي على حياتنا لونا آخر إذا آمنا به وجسدناه في سلوكنا. كيف لا وربنا سيد المحسنين يحثنا على الإحسان ويعدنا بمحبته " و أحسنوا إن الله يحب المحسنين".وماذا نريد أكثر من محبة الله؟ كم هو ثمن زهيد ذلك الذي ندفعه مقابل هذه المحبه.  
                      
لنجرب فقط أن نضمن قائمة الأعمال التي نريد إنجازها في كل يوم عمل نحسن به الى الآخرين، حتى وإن كان مجرد إبتسامة في وجوه من حولنا، أو بإماطة الأذى عن الطريق؛ وستذهلنا النتيجة، سيصبح الإحسان مبدأ لا نحب حياتنا بدونه. لنحسن لكل شيء للبشر، للحيوان وللأرض التي نعيش فيها.
كن محسنا وبجميل الأثر إحجز لنفسك مقعدا مع الأرواح الخالدة.

الجمعة، 8 نوفمبر 2013

فلسطين حكاية لم ترو بعد






عندما افتح ملف بلاد الاسراء اجد الجراح لاتزال تنزف، منذ1948م والجرح لم يلتأم بعد وكأنه وقع بالأمس ، ولكن الفارق بين الامس واليوم هو ان عمق الجرح قد زاد !.
اربعة وستون عاماً مضت ، لم تخلف في رصيدها سوى مزيد من الدمار، مزيد من القتل، والمزيد من التهجير ومزيداً من الاستيطانومزيدا من قطع الاراضي المسلوبة من هنا وهناك في حين ان هذا كله لم يقابل الا بالمزيد من الاتفاقيات و المزيد من المعاهدات والزيد من الجلسات. ..و و و الخ.
ولكن السؤال هنا.. بماذا خرجنا من كل ذلك؟ ولصالح من تكون النتيجة دائماً؟
لقد برر الاحتلال منذ اربعة وستون عاماً خلت موقفه بحجة تافهة وقاللقد اتينا بعد ان وجدنا الارض فارغه.. فقد اخلى العرب لنا الارض بمحض ارادتهم !!.
وهو تبرير واهٍ فإذا كان العربي قد نزح من ارضه فهذا لان هناك من وعده بأنه سيعود اليها يوماً بعد ان يتم طرد المحتل الغاصب خارجاًرحل العربي تاركاً مفتاح بيته في مكانه، كأنه خرج في الصباح ليعود اليه قبل الغروب.
رحل ملتفتاً بين الحين والاخر، وهو يداري دمعه مخافة ان لا يعود، فقد رحل بعد ان جار العدو و عثي فساد في اراضيهم.. رحل خائفاً على مستقبل اسرتهلم يدري وقتها وهو يرحل ان غربته ستطول، لا لشيء سوى ان من وعده لايزال غير قادر على تنفيذ الوعد!!.
وفي ظل القضايا المعاصرة ، والاحداث الراهنة ، بدآ العالم يتناسى شيئا فشيئا القضية الفلسطينيةتلك القضية العربية الاسلامية التي تجثم فوقها ستون الف وزيادة من علامات الاستفهام والغموض ، واني ارى ان كل ما يحدث في الشرق الاوسط ما هي الا جذور ممتدة من قضية ارض القدس الحزين.
فإذا تمكنا من استئصال موقع التقاء هذه الجذور السوداء سهل علينا بعدها التخلص منها جميعا.
لكن ما يحدث حقيقةً على ارض الواقع اننا انشغلنا بتلك الفروع المتنامية ولم نلقي بالاً للأصل وعندما يحدث ما يذكرنا به ويحاول تنبيهنا ان مكمن الخطر فيه ننظر اليه شزراً ونبرر صمتنا بالقول سنأتي لنقتلعك فيما بعد.. فما كان منه الا ان تضخم واتسع ، ووجدنا بعدها انفسنا حيرى وما عدنا نستطيع معرفة اين نوجه انظارنا ، هل الى اليمين ام الى اليسار ام الى الشمال ام الجنوب؟!!.
ففي الواقع لقد وجدنا المصائب في كل جانباصبحنا في بؤرة الخطر لا ندري بأي مصيبة نبدأ!
لقد قال الحبيب في معنى حديثهستتكالب عليكم الامم ،قيل امن قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال لا ولكنكم غثاء كغثاء السيل!.
صدقت يا حبيبي يا رسول الله ، فأمة المليار لم تعد تدري اين الخلاص؟ ففي كل يوم يلد في صحن مآسيها وليد، ما عادت تعرف كيف تعيد ماضيها التليد؟!.
يجب ان نعود لقضيتنا الرئيسية ، لنعد الى فلسطين الابية، لنلملم شعث امتنا فلا تزال في فلسطين خبايا تحت الركام ، لا يعلم عنها احد إلا الله.
منذ أيام قليلة قتل الجعبري ليفتح ملف جديد، ملف متشبع برائحة الغضب والتهديدات من كلا الطرفين ، فحركة حماس تأبى إلا  أن تكيل الكيل للغاصب وتذيقه طعم جريمته علقماً ، وإسرائيل تعد العالم بأنها ستطهر القطاع من إرهابي القسام.
والمدنيون هم الضحايا دائما .. وما على العالم الا ان يطلع الى نشرات الاخبار ليصله عدد الضحايا من الأطفال والنساء وعدد الجرحى أين وصل؟
وعليه ان يعقد الجلسات ليبحث في الامر ثم ماذا؟ ماذا بعد؟
الشارع الفلسطيني في غزة يشتعل غضباً ، يريد ان يأخذ الثأر ، فهل سيكون هذا إيذانا بعهد جديد؟ أم صفحة دموية تطوى لتنظم إلى سابقاتها من الصفحات؟
فلسطين يا قضية أمة  الإسلام، لا تزال حكايتك تنتظر اليوم الذي ستروى فيهلا يسعنا سوى ان ننظر الى الاحداث بشيء من الترقب ونأمل أن لا يطول هذا الانتظار.
فلسطين يا عشقي الأبدي، سيأتي يوم تضمدين فيه جراحك وجراح الأمة اجمع.
يوم يزحف إليك جيش صلاح الدين .. يوم تكون شعوبنا العربية والإسلامية كقبضة يد واحده.. مجتمعة تحت لواء الإسلام لا غير، جيوش تهز الأرض هزاً.
إلى أن يحين ذلك اليوم .. سنظل نعمل لنرقى بأنفسنا وبتفكيرنا ، لنكون نحن هذا الجيل الذي سيعيد المجد.
لست سوى فرد في هذه الأمة ، لا املك سوى قلمي لأعبر عن أسفي لما يحدث.. لكي أوصل فكري لكل عربي ولكل مسلم غيور على هذه الأمة..
فعندما يصلح كل منا نفسه وعندما نخطط لنصنع غد افضل ..وعندما نتبع كل هذا بالعمل الصادق .. عندها حقا سنستبشر خيراً بشباب الإسلام.
ومع احرف كلماتي أقول في النهاية .. إن غداً لناظره قريب.

ربيع عربي ام أوراق خريف متساقطة




شهد وطننا العربي في الآونة الأخيرة ثورات طافت في أرجائه شمالا وجنوب ، شرقا وغربابتدأت في تونس ولاتزال قائمة حتى اليوم في سوريا.
كانت شرارة الانطلاقة صاعدةً من جو الظلم والجور والعدوانعندما حرم شاب تونسي من لقمة عيشه ، وتم مصادرة مصدر رزقه الأوحد ، فلم يجد حلا غير الانتحار ليلوذ بالفرار من دنيا البشر المليئة بأوحال الفساد القذرة ، وقام بإحراق جسده الذي عانى لسنوات طوال مرارة العوز والحاجه ، وقد كان تصرفه هذا ايذاناً بميلاد عهد جديد ، عهد يرفع لآفة كتب عليها بخط عريض لا للظلم"وتصاعدت الهتافات عاليا تهز الاجواء هزا عنيفاً حرية ، حرية "
فالإنسان قد يضحي بكل ما يملك ولكنه محال أن يضحي بحريته ، في عالم تسود فيه شريعة الغاب ، تلك الشريعة التي باتت مغلفة بغلاف السلام الوهمي!!.
وانتفضت ذرات الوطن العربي بأكمله ، فقد آن الاوان لكي يتم كسر حاجز الصمت المطبق الذي عشعش في المجتمعات سنين مغبرة ، آن الأوان لتتحرك الشعوب وتعلن عن مطالبها التي حرمت منها فيما مضى.
واذا ألقينا نظرة خاطفة للأوضاع الاجتماعية التي كانت سائدةً في المجتمعات العربية قبل اندلاع الثورات ، لرأينا حالاً مؤسفاً حقاً ، فالطبقية واضحه للعيان وفي كثير من مجتمعات الثائرة كانت الطبقة الوسطى مخفيه ان لم تكن متلاشيه تماماً ، كان الفساد الاداري يجول ويصول ضارباً بالقيم الأخلاقية عرض الحائط ، كان الشاب الجامعي يهيم على وجه الارض باحثا عن مكان يحتضن شهادته التي قضى زهرة عمره في تحصيلها وفي رسم طموحاته الكبيرة عليها، باختصار كان الحال مترديا جدا لدرجة ان السكان ما عادوا يجدون غير القبور ليعيشوا فيها!
وبعد أن اشتعلت نيران الغضب في شوارع العالم العربي ، سقطت أنظمة حاكمة في كل من تونس وليبيا ومصر واليمن ، بينما لاتزال النهاية مجهولة في سوريا ، لاتزال ترقد هناك في مرقدها الخفي تنظر للأحداث بعين داميه إلا أن يحسم البشر ما بينهم.
وفي دول أخرى أسفرت تلك الثورات عن إصلاحات اجتماعية واقتصادية وسياسية ، تماشياً مع مطالب الشعوب.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا ، أهو ربيع عربي مزهر كحال كل ربيع ؟أم أن ما يحدث مجرد تساقط أوراق خريف؟
هل ستنجح الشعوب في تحقيق مآربها ؟ والى أي مدى يمكن أن تصل الحكومات الجديدة في قدرتها على ترسيخ الحكم العادل؟
فما خلفته هذه الثورات ليس بالأمر الهين ، المجتمعات تمر الآن بمرحلة ميلاد جديد ، مرحلة تحدي أمام الأنظمة القائمة ، إما أن تثبِت مقامها او تلملم أوراقها وترحل مثل سابقتها فسقوط الأنظمة الفاسدة مجرد خطوة اولى ، أو لنقل طوب الاساس لبناء التغيير، إذ لاتزال الاوضاع غير مستقرة ، لاتزال الهمهمات المتسائلة من هنا وهناك تحوم في الافق الى أين نصل من كل هذا؟ ولعل هناك من اغمض عينيه متنفساً بعمق بعد أن مزق صورة الامس راسماً في مخيلته صورة مثالية لحال مجتمعه بتولي نظام جديد مقاليد الحكم!.
تحتاج الحكومات الجديدة الى خطط تنموية مستديمة جديدة ، تساير التقدم الحاصل في العالم أجمع ، إنها الآن أمام تحدي قوي ، فهي لابد أن تعيد الاستقرار أولاً إذ لاتزال حرارة الثورة في نفوس جموع الشعب ، لابد أن تضع في حسبانها أن شعوبها صارت أكثر وعياً من الامس ، ولابد أن تحتوي هذه الخطط وهذه السياسات الجديدة جميع جوانب المجتمع فلا تركز على جانب دون آخر ، وعليها أن تنظر الى صفحة الأمس نظرة من وعى الدرس ، والى المستقبل نظر تحدي تحمل في طياتها بذور التعقل والفطنة.


لا يسعنا سوى أن ننظر الى الغد بإشراق ، وأن مستقبل جديد سيكون في انتظار الأمة العربية والإسلامية ، فعهد الظلم والطغيان قد ولى بعد أن صحت الشعوب من مرقدها ، لنشيد بأنه كان ربيع عربي ليس كأي ربيع ، ربيع سيدوم أثره في كل الفصول ، لا نريد أن نقول تلك حقبة من الزمن مرت على عالمنا العربي كخريف مقيت أسقط أوراقه وأبقى الأشجار بلا لحاف تتدفئي به، وتعيد بها دورة حياته من جديد.

خرفان المولى





"إن البؤس لا يؤمن بواحات السلم ، انزع له لجامه ستراه ينقض على سعادة الآخرين
وإذا أردت الرهان على وحش دائم ، اختر واحدا من بين المعوزين ، فجأة سيحلم بإمبراطورية غاصة بالمذابح والعاهرات وإن كان يملك جناحين سيرغب في استخلاف الشيطان."

هكذا تحدث ياسمينه خضرا بلسان إمام المسجد في روايته خرفان المولى ، في البداية تعجبت من مسمى الرواية خرفان المولى " !! ولكن من خلال قراءتي لها تكشفت لي حقائق تعكسها أحداث الرواية تحكي عن قضية أمة وليست قرية صغيرة كما تبدوا في الرواية.

فما قاله خضرا أراه ينطبق على ما نشاهده في واقع شعوبنا العربية ، خصوصا وهي تمر الآن في مرحلتها الثورية ، فمن أشعلوا شرارة الثورات بدئوا بتحريك الفقراء ، الضعفاء والبؤساء ، الذين ما إن أمسكوا السلاح بأيدهم حتى بدأت أعمال التخريب والعنف ، واللذين يحركونهم يشاهدون مسرح الأحداث بما يحتويه من مجازر وعنف وعدوان ، دون أن يلحقهم من ذلك سوى الاستمتاع بنشوة السيطرة و القوة الزائفة ويحركهم في ذلك الانقضاض على كرسي السلطة!.

لو تم تطهير العقول من التبعية العمياء ، بحيث لا يصبح الواحد إمعة لأي كان ، سواء لحزب متعصب أو لفرد يتكلم بصوت المجتمع أو الدين ليحقق مصالح فردية بحته ، لسلمت مجتمعاتنا من أشكال الفساد الاجتماعي الذي نراه طاغيا على أوضاع الشرق الأوسطفالفرد حينها سيحكّم عقله فيما يراه صائبا أو ما يجب أن يحظى بالقبول المجتمعي بدل من الخضوع لصناع الرأي، وكأن الرأي بات حكرا على فئة معينة وما على السواد الأعظم سوى الانقياد!.

في حقيقة الأمر كثيرا ما انشغلت بالتفكير في مسألة الإتباع والانقياد ، فبإلقاء نظرة على حال المجتمعات نجد ذلك الصنف من البشر الذين يتمسكون بآراء شخص ما وكأنها لهميستميتون في الدفاع عنها بمجرد أن يتم حشوها في رؤوسهم،وهذا ما ولدّ نوع من التعصب الأيديولوجي وخلق طوائف متنازعة.
عندما حاول العلماء تفسير القيادة وكيف يمكن لقائد أن يؤثر في أتباعه انقسمت محاولاتهم التفسيرية ، بعضهم قال أن أغلب البشر لديهم استعداد لان يكونوا أتباع ولا يرغبون في تحمل المسئولية او تولي زمام أمر ماأما التفسير الآخر قال أن القيادة ظهرت بسبب وجود أفراد لديهم قدرات فطروا عليها تمكنهم من القيادة والتأثير في الآخرين.
إذا ما أردنا إسقاط ما سبق على مجتمعاتنا لمعرفة أي التفسيرين ينطبق عليها سنجد أن الأوضاع الطافية في الوقت الحالي تكشف لنا أن التفسير الأول أكثر بروزا ، السواد في المجتمع مستعد لتلقي الأوامر من قواد الجماعات التي ينتمون إليها ، وقد أشار الباحثين أن الفرد عندما ينتمي إلى جماعة فإنه يقوم بتحقيق أمرين لابد منهما الانتماء والتقبل وهذا ما يدفع الفرد إلى مجاراة الجماعة في ما تتبناه من أراء و أفكار وإن لم يكن مقتنعا بها في بعض الأحيان خوفا من أن يتم رفضه من الجماعة، خصوصا إذا ما كانت هذه الجماعة تشبع حاجات مهمة بالنسبة له.ودور هذه الجماعات يتعاظم عندما تشيع روح القهر الاجتماعي وغياب العدالة الاجتماعية من المجتمعاتلان المستضعفين حينها يكونون في اشد الحاجة لمن يحتوي مطالبهم ويساعدهم على التعبير عنها ، مستعدين مقابل ذلك لأن ينفذوا كل ما يملى عليهم!
"خرفان المولىهو المسمى المناسب الذي رأه الكاتب ملاصقا لهذا النوع من البشر الذين نطلق عليهم ب الإمعة ". حيث ينقاد البشر للهاوية لا لشيء سوى انهم يخافون من البقاء في معزل عن القطيع وإن كان ذلك القطيع يقوده راعيه نحو الهاوية!