الأحد، 4 يناير 2015

أمطار من ذكريات






انهيت قبل قليل قراءة فصلين آخرين من رواية "سجينة طهران" ولأن المذاكرة تنتظرني وتحثني على الاسراع اضطررت الى تركها قليلا ..وأنا أغلقها قلت في نفسي " جميل أن يملك الانسان أحداثا مميزة في حياته، أحداث تستحق التدوين فعلا "
وفي تلك اللحظة عادت بي ذاكرتي إلى الوراء وكأنها تريد أن تؤكد لي أنني أملك ايضا مثل تلك الذكريات والتي أعدها نقطة تحول في حياتي..


***

كنت في 12 تقريبا ، عندما اجتمعت مع قريبتي ليلا أمام منزل جدي - عليه رحمات الإله - راحت ابنة عمي التي تصغرني بعامين تقص علينا احداث رواية جميلة ، كانت بعنوان "بول وفرجيني (الفضيلة) " أحد ترجمات المنفلوطي. 
عندما كانت تحكي كنت اتخيل الأحداث ، الأماكن والأشخاص، أستطيع أن أقول بأنني سحرت بتلك الرواية التي اختصرتها ابنة عمي الصغيرة ، قالت لنا ان لديهم روايات كثيرة مثلها.


وأذكر انني عدت الى البيت يومها وانا افكر في تلك الأحداث التي ترسخت في مخيلتي ، وعقدت العزم على ان اطلب منها ان تعيرني احد الرويات في اليوم التالي.

وذلك ما حدث ، ذهبت الى منزلهم ليلا لأتفاجئ بتلك المكتبة التي كانت عامرة حقا بالكتب ، وقتها ثرثرت كثيرا مبدية اعجابي الكبير بما ارى ، رحت افتش عن الروايات التي يشدني عنوانها ، وقد اخذت في تلك الليلة رواية أخرى من ترجمات المنفلوطي . 

منذ ذلك اليوم والى ان دخلت الجامعة وانا استعير الكتب من ابنة عمي، كنا عندما نجتمع سويا نتحدث مطولا عن الأحداث التي جرت في الرويات التي كنا نتبادلها. وقد تبادلنا في احد الاجازات ما يربو الى 40 رواية معظمها للكاتبة " أجاثا كريستي " -كاتبتي المفضلة في ذلك الزمن الجميل- ، كنت في بعض الايام افتش في مكتبة المنزل عن كتب اقرأها . لكنني لم اجد أية روايات ، اذ لم توجد في مكتبة منزلنا الا روايات اخي القديمة جدا والتي كانت باللغة الانجليزية .

 كنت في بعض الاحيان احدق فيها وانا اتمنى في داخلي لو ان لدي عصا سحرية لتحول الكلام الى اللغة العربية ، لأنني لم ابدي اي استعداد لقرائتها بالانجليزية ابدا. 

  كانت معظم الكتب في المنزل هي لوالدي تختص بالتاريخ ودواوين الشعر ، وكتب اخوتي التي لم تكن تستهويني غالبا.
اذكر اني وجدت ذات يوم كتاب "العلم يتبرأ من نظرية دارون" شدني غلاف الكتاب دون أن أعبأ كثيرا بالعنوان ، فرحت اقرأه وبدون أن  اشعر وجدت أني قطعت شوطا كبيرا فيه  ، وما زلت أذكر ضحكات اختيّ عندما شاهدتاني اقرأه على اعتبار أنه كتاب اكبر من سني على حد زعمهما ! لكنني أدركت يومها ان هناك الكثير من الكتب في المنزل التي يجب ان اقرأها أيضا عدا الرويات..

***

وما زلت أذكر ذلك الكيس المملؤ  بروايات الجيب البوليسية التي احضرتها لي صديقتي ،  كنت احرص على إنهاء واجباتي فترة الظهيرة لأعكف عليها باقي اليوم .
 ولا انسى تلك الجلسات المطولة التي كنت وزميلتيّ نعقدها في فترات الاستراحة احيانا ، نتحدث فيها عن اجمل ما قرأنا وقد يعلو صوتنا وكأننا نتناقش في امر خطير ، لقد كانت  تلك الجلسات من اجمل الأوقات بالنسبة لي.

***
وعندما دخلت الجامعة كان اول مكان تلهفت لزيارته هي المكتبة ، عندما اشار اخي الى مكانها تطلعت بشوق لليوم الذي سأدخلها فيه. 
وفي المكتبة اخذت حقا بمنظر الكتب ، وقد بدت لي المكتبة ككنز ثمين، كنت في كل مرة اعود فيها الى البيت محملة بكتب اعظمها روايات ضخمة الى ان سمعت التوبيخ من اخوتي ؛خوفا منهم ان يكون وقتي كله للروايات وليس للمذاكرة ، ولذا فإنني ومنذ ذلك اليوم حرصت على انهاء الروايات التي استعيرها في الجامعة وإن اخذتها معي الى البيت اقراها بعيدا عن اعينهم.


واصبحت لدي عادة  محببة ، وهي انني عندما اقرأ اتخير مكانا منعزلا ، لا اسمع في اي صوت ، مكان لا اجد فيه من يقطع علي خلوتي. حتى وإن كان هذا مكان هو آخر زاوية في مزرعة المنزل ، حيث اختبئ عن كل ازعاج يقطع عليّ جو القراءة.


***
 
ومما اذكره ايضا وأود تسطيره في هذه التدوينه ، أنني ذات يوم وبعد عودتي من المدرسة - وقد كنت في المرحلة الثانوية حينها - أخذت اتصفح الجريدة التي كان يحضرها والدي الى البيت من عمله ، قرأت في ملحقها "شرفات" مقالا يتنبؤون فيه ان جنس الرويات الأدبية سوف يندثر في المستقبل ، ما زلت اذكر شعور الخوف الذي اعتراني في تلك اللحظة ، ورحت اقنع نفسي انه من المحال ان يندثر ، كيف يندثر وقد كنت في تلك الأيام احلم بأن اصبح روائية ! كيف يندثر وقد كانت الروايات أحد أجمل الأمور  التي حببتني في القراءة ، وجعلتني أشتهي منظر الكتب!

*** 
لقد كان سر عشقي للروايات الأدبية هو أنني وجدتها ترضي ذلك الجانب الخيالي لدي ، وأصبحت بدلا من أقضي الوقت على سطح المنزل لألعب وأعيش في العالم الآخر الذي وصفته اختي ذات يوم ، اقضيه في قراءة تلك الروايات التي اشعر مع كل رواية اقرأها أنني احد شخصياتها ، لم أكن أعبأ إن سهرت الليل بطوله لأكمل ما تبقى لي من فصول ، وعندما كبرت قليلا رحت اركز على اشياء اكثر دقة ، لقد ادركت ان اغلب الروايات التي بين يدي تحمل معاني اخرى بين السطور ، وكانت تلك متعة أخرى استلذ بها ، دفعني الى القيام بهذه الخطوة هو تحدي قام بيني وبين اخوتي الذين كانوا يرون في الروايات مضيعة وهدرا للوقت ، لذا رحت افتش بين الزوايا عن شيء مقنع اخبرهم انني خرجت به من قرائتي .

سعييدة حقا لأنني عشت شطرا من اجمل ايام صباي حاملة مثل هذه الذكريات ، يوم كانت الكتب هي المتنفس الوحييد الذي نقضي به اوقات فراغنا.

*** 


على كل يبدو انني اسرفت في التذكر والكتابة وجزء من الوقت قد فر هاربا ‘ وعلي تدارك ما بقى لأعود الى تلك المذكرات التي تنظر إلي شزرا ، غاضبة  ربما لتركي لها كل هذه الفترة.

الخميس، 1 يناير 2015

في تأبين عام منصرم


1 يناير 2015

عام افل نجمه ، بكل ما احتواه من لحظات سعيدة وأخرى حزينة . أرواح فارقناها ، وأخرى نعيش على أمل رؤيتها من جديد ؛ لنترافق سويا عاما آخر.
اشخاص جدد جادت علينا الأيام بمعرفتهم، وتجارب ندعي أننا سنتعلم منها في قادم الأيام لنكون أفضل..
خطط وأحلام تداعبنا وتدعونا الى التفكير بها بجد .وصلنا لنهاية العام لندرك حقا أننا تغيرنا بشكل او بآخر..ففي حقيقة الأمر ننا نحن من نتغير وليس السنوات.. ولكن السؤال هنا " ما شكل ذلك التغيير الذي طرأ علينا ؟ "

***

عندما استيقظت اليوم واطّلعت على التقويم حدقت مليا في التاريخ المكتوب ، ها نحن قد بدأنا عام جديد اليوم، فتحت النافذة لأرى كم هو جميل هذا الصباح، غير أن الصباح هو هو لم يتغير ، الذي تغير ربما هو شيء في داخلي جعلني أعتقد أن هذا اليوم مختلف ، وأن هذا الصباح لا كأي صباح ! فقط لأن اليوم هو افتتاح لسنة ميلادية أخرى .

ولأن نفوسنا جبلت على حب كل ما هو جديد فإننا غالبا ما نستبشر خيرا عندما نبدأ خطوة جديدة ، ونتعاهد مع أنفسنا أننا سنبذل الأفضل ، ونعقد الآمال على اننا سنفتح صفحة جديدة ، كعادتنا دائما في بداية كل فصل دراسي مثلا، او في بداية اول يوم لنا في سلك العمل ، فرغم ما قد يخلفه الانسان وراءه في عام منصرم ،إلا ان سحر البداية يغري معظم البشر لعقد صلح جديد مع حياتهم.. فما يهم الآن هو القادم وما الماضي بكل ما احتواه الا دروس ، جرعات نقوى بها في قادم الأيام.

***

هناك من يخشى من المستقبل ويمزج لون الماضي به فإن كان ماضيه مليء بالانتكاسات واللحظات المؤلمة نجده يلقي بظلال ماضيه على مستقبله! أليس الأجدر بنا ان نرى في المستقبل صندوقا ملونا ، صندوق مفاجآت لا أقول أنها ستكون دائما سارة ، ولكنها على أية حال لا يمكن أن تكون كلها مؤلمة ! كتعاقب الليل والنهار لا بد أن نؤمن بحقيقة تعاقب الفرح والسرور أيضا.

لعلنا إن نظرنا إلى كل يوم على أنه بداية  جديدة لحياتنا لاستبشرنا بالخير في كل صباح ، فلما ننتظر اثنى عشر شهرا لنجدد الآمال ونرسم الخطط؟ لما ننتظر كل تلك الشهور لنفرح ملئ قلوبنا بانقضاء العام وقدوم عام آخر! نعم نحن  بحاجة إلى تقييم ذواتنا في مدة في مدة أطول ، وننظر كيف كنا طوال تلك الشهور لنعرف كيف ينبغي أن نكون ،  نحن بحاجة لذلك فعلا لكن دون أن نصبغ الأيام التي تتخلل تلك الشهور بصبغة واحدة وإيقاع واحد رتيب.

***

وبما أن العام الجديد قد تنفس الحياة اليوم ، فإن ما نحتاجه لنزيد من انتعاشه هو خطة سير واضحه ، وأهداف مرسومة ، وروح جديدة تهتف لنا من الداخل بأننا نحن من يصنع الأيام وليست هي من يصنعنا ، عام قد أشرق فلنكن فيه كما نريد أن نكون.