"إن البؤس لا يؤمن بواحات السلم ، انزع له لجامه ستراه ينقض على سعادة الآخرين
وإذا أردت الرهان على وحش دائم ، اختر واحدا من بين المعوزين ، فجأة سيحلم بإمبراطورية غاصة بالمذابح والعاهرات . وإن كان يملك جناحين سيرغب في استخلاف الشيطان."
هكذا تحدث ياسمينه خضرا بلسان إمام المسجد في روايته خرفان المولى ، في البداية تعجبت من مسمى الرواية " خرفان المولى " !! ولكن من خلال قراءتي لها تكشفت لي حقائق تعكسها أحداث الرواية تحكي عن قضية أمة وليست قرية صغيرة كما تبدوا في الرواية.
فما قاله خضرا أراه ينطبق على ما نشاهده في واقع شعوبنا العربية ، خصوصا وهي تمر الآن في مرحلتها الثورية ، فمن أشعلوا شرارة الثورات بدئوا بتحريك الفقراء ، الضعفاء والبؤساء ، الذين ما إن أمسكوا السلاح بأيدهم حتى بدأت أعمال التخريب والعنف ، واللذين يحركونهم يشاهدون مسرح الأحداث بما يحتويه من مجازر وعنف وعدوان ، دون أن يلحقهم من ذلك سوى الاستمتاع بنشوة السيطرة و القوة الزائفة ويحركهم في ذلك الانقضاض على كرسي السلطة!.
لو تم تطهير العقول من التبعية العمياء ، بحيث لا يصبح الواحد إمعة لأي كان ، سواء لحزب متعصب أو لفرد يتكلم بصوت المجتمع أو الدين ليحقق مصالح فردية بحته ، لسلمت مجتمعاتنا من أشكال الفساد الاجتماعي الذي نراه طاغيا على أوضاع الشرق الأوسط. فالفرد حينها سيحكّم عقله فيما يراه صائبا أو ما يجب أن يحظى بالقبول المجتمعي بدل من الخضوع لصناع الرأي، وكأن الرأي بات حكرا على فئة معينة وما على السواد الأعظم سوى الانقياد!.
في حقيقة الأمر كثيرا ما انشغلت بالتفكير في مسألة الإتباع والانقياد ، فبإلقاء نظرة على حال المجتمعات نجد ذلك الصنف من البشر الذين يتمسكون بآراء شخص ما وكأنها لهم. يستميتون في الدفاع عنها بمجرد أن يتم حشوها في رؤوسهم،وهذا ما ولدّ نوع من التعصب الأيديولوجي وخلق طوائف متنازعة.
عندما حاول العلماء تفسير القيادة وكيف يمكن لقائد أن يؤثر في أتباعه انقسمت محاولاتهم التفسيرية ، بعضهم قال : أن أغلب البشر لديهم استعداد لان يكونوا أتباع ولا يرغبون في تحمل المسئولية او تولي زمام أمر ما. أما التفسير الآخر قال أن القيادة ظهرت بسبب وجود أفراد لديهم قدرات فطروا عليها تمكنهم من القيادة والتأثير في الآخرين.
إذا ما أردنا إسقاط ما سبق على مجتمعاتنا لمعرفة أي التفسيرين ينطبق عليها سنجد أن الأوضاع الطافية في الوقت الحالي تكشف لنا أن التفسير الأول أكثر بروزا ، السواد في المجتمع مستعد لتلقي الأوامر من قواد الجماعات التي ينتمون إليها ، وقد أشار الباحثين أن الفرد عندما ينتمي إلى جماعة فإنه يقوم بتحقيق أمرين لابد منهما الانتماء والتقبل وهذا ما يدفع الفرد إلى مجاراة الجماعة في ما تتبناه من أراء و أفكار - وإن لم يكن مقتنعا بها في بعض الأحيان - خوفا من أن يتم رفضه من الجماعة، خصوصا إذا ما كانت هذه الجماعة تشبع حاجات مهمة بالنسبة له.ودور هذه الجماعات يتعاظم عندما تشيع روح القهر الاجتماعي وغياب العدالة الاجتماعية من المجتمعات. لان المستضعفين حينها يكونون في اشد الحاجة لمن يحتوي مطالبهم ويساعدهم على التعبير عنها ، مستعدين مقابل ذلك لأن ينفذوا كل ما يملى عليهم!
"خرفان المولى" هو المسمى المناسب الذي رأه الكاتب ملاصقا لهذا النوع من البشر الذين نطلق عليهم ب " الإمعة ". حيث ينقاد البشر للهاوية لا لشيء سوى انهم يخافون من البقاء في معزل عن القطيع وإن كان ذلك القطيع يقوده راعيه نحو الهاوية!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق