كن خالداً بإحسانك
أن تكون محسنا يعني أن تحمل في قلبك حبا كبيرا يسع الكون بما فيه، فلا
تحمل في ذلك الجزء المخبأ بين أحشائك ضغينة لمن حولك. ولا تمنعك قومية ولا عصبية عن مد يد العون لمنيختلف عنك
أو معك. تبادر دائما لأن تنشر بذور السعادة في كل من حولك.
حتى لأؤلئك الذين تفننوا في إذاقتك صنوف الألم، ينتفض الشريان المحمل
بكريات الإنسانية في داخلك؛ إذا ما وجدتهم في حال أضعف منك. وفي أمس الحاجة إليك.
تقاوم رغبة الشر التي قد تحاول تحريضك ضدهم وتهمس لك أن "آن أوان الانتقام
"!. أوليس في سيد البشر قدوة لنا ونحن نتحدث في هذا الصدد؟
واجه من قومه ما واجه. عُذِب وأخرج من أحب بقاع الأرض إليه، أوذي في أهله،
قتل أصحابه واحدا إثر الآخر. ولكنه وهو القائد المنتصر قال لهم عبارته الحية عبر
السنين " إذهبوا فأنتم الطلقاء ". هذه هي قمة الإحسان؛ تعفوا عن الخلق
وأنت في أعلى درجات قوتك.
عندما تشعر بالألم يعتصر كيانك، وتسقط الدمعة تلهب خدك لرؤية البؤس يعشعش
في العالم من حولك. عندما ينبض قلبك بالرحمة لكل شيء حولك، فيدفعك كل هذا لأن تبذل
ما تستطيع لتغيير الواقع للأفضل؛ تجود بما لديك، تحنو بيدك لتمسح دمعة وترسم بسمة
في الوجوه. عندها ثق بأنك لاتزال على قيد الحياة، وأنك لازلت إنسان فبالإحسان تعيش
معاني اللإنسانية.
من المواقف العالقة بذهني، رغم تقادم الأيام عليها، موقفين لا أظن أني
سأنساهما. الأول : كان لنا ذات يوم قطة صغيرة، أصيبت بجرح كبير في ظهرها، وفي كل
يوم كان الجرح يزداد. كان شكلها يثير في النفس الألم. ولكننا كنا خائفين من عمل أي
شيء لمساعدتها. حتى أننا قررنا إخراجها من المنزل؛ لأن الدم كان يملى المكان عندما تأتي. باستثناء
اختي التي اتخذت موقفا نبيلا، أخذت القطة بين يديها وضمدت الجرح وطهرته. إلى أن
تمكنت من إيقاف النزيف. ومنذ ذلك اليوم كلما خرجت أختي من المنزل كانت القطة
ترافقها إلى منتصف الطريق وتظل تنتظر الى أن تغادر أختي تماما ثم تعود. بقيت القطة
وفية لمن مد لها يد العون.الى أن قضت نحبها.
إذا كانت هذه ردة فعل قطة صغيرة وهي لا تعقل شيء، فكيف بإنسان تعينه على
قضاء حوائجه. تخفف عنه ما يجد، سيظل ممتنا لك دائما. وسيذكر إحسانك حتى وإن نسيته
أنت. والأكثر من ذلك كن على ثقة بأن هذا الاحسان سيعود إليك مرة أخرى ليسعدك؛ فهذا
قانون ثابت، وهي سنة الله في خلقه"ما تفعله سيعود إليك إن خيرا فخير وإن شرا
فشر".
وهذا يقودني للحديث عن الموقف الآخرالذي حدث لي شخصيا، أراه ماثلا أمامي
الآن وأنا أهم بتسطيره هنا. عندما كنت في الصف الخامس الإبتدائي، وبالتحديد في آخر
دقائق من الفسحة، كنت عطشى ولكن ثلاجة الماء كانت مزدحمة. ولإني كنت أصغر من أن
أزاحم الجمع الغفير المجتمع حولها؛ فقد وقفت بعيدا أنتظر الى أن يخلو المكان. ولكن
إحدى الفتيات رأتني وأخذت بيدي لأتمكن من الشرب. من يومها وأنا أشعر بالإمتنان
لتلك الفتاة، لا أراها الا وأرى إحسانها معها.
وكم من المواقف التي تؤكد لنا أن الإحسان محال أن يُنسى أو يضيع. فالجزاء من
جنس العمل. حتى أشرس الناس طبعا وسلوكا يصبح لينا خاضعا إذا أحسنت إليه. وقد صدق
أبوالفتح البُستي حين قال: "أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فلطالما استعبد الانسانَ إحسانُ".
وفي قوله تعالى : " وهل جزاء الاحسان إلا الإحسان" دليل واضح
ووعد رباني بأن ما تقدمه لغيرك لن يذهب أدراج الرياح. ولعل هذا يذكرني بتلك القصة
التي حكت أن أحد الأطفال سرق أدوية لوالدته المريضة، وعندما همت صاحبة المحل
بأخذها منه جاء رجل ودفع قيمة الأدوية. وبعد مرور السنوات أصيب الرجل بإصابة بالغة
كلفته الكثير. وبينما إبنته الوحيدة مهمومة تفكر كيف تسدد قيمة العلاج إذا بفاتورة
العلاج تأتيها وقد كتب فيها " تكاليف العلاج سددت منذ 30 سنة".تعجبت
الفتاة، وعندما سألت عن الشخص الذي دفع تكلفة العلاج؛ أخبرها الطبيب انه هو من قام بهذا، وهو نفسه الطفل
الصغير الذي سرق الأدوية منذ 30 سنة!.
لاعجب والمبدأ يقول"اسعد الناس يسعدك
رب الناس" هذا المبدأ سيضفي على حياتنا لونا آخر إذا آمنا به وجسدناه في
سلوكنا. كيف لا وربنا سيد المحسنين يحثنا على الإحسان ويعدنا بمحبته " و
أحسنوا إن الله يحب المحسنين".وماذا نريد أكثر من محبة الله؟ كم هو ثمن زهيد
ذلك الذي ندفعه مقابل هذه المحبه.
لنجرب فقط أن نضمن قائمة الأعمال التي نريد إنجازها في كل يوم عمل نحسن به
الى الآخرين، حتى وإن كان مجرد إبتسامة في وجوه من حولنا، أو بإماطة الأذى عن الطريق؛ وستذهلنا النتيجة، سيصبح
الإحسان مبدأ لا نحب حياتنا بدونه. لنحسن لكل شيء للبشر، للحيوان وللأرض التي نعيش
فيها.
كن محسنا وبجميل الأثر إحجز لنفسك مقعدا مع الأرواح الخالدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق