شهد وطننا العربي في الآونة الأخيرة ثورات طافت في أرجائه شمالا وجنوب ، شرقا وغرب. ابتدأت في تونس ولاتزال قائمة حتى اليوم في سوريا.
كانت شرارة الانطلاقة صاعدةً من جو الظلم والجور والعدوان. عندما حرم شاب تونسي من لقمة عيشه ، وتم مصادرة مصدر رزقه الأوحد ، فلم يجد حلا غير الانتحار ليلوذ بالفرار من دنيا البشر المليئة بأوحال الفساد القذرة ، وقام بإحراق جسده الذي عانى لسنوات طوال مرارة العوز والحاجه ، وقد كان تصرفه هذا ايذاناً بميلاد عهد جديد ، عهد يرفع لآفة كتب عليها بخط عريض " لا للظلم"وتصاعدت الهتافات عاليا تهز الاجواء هزا عنيفاً " حرية ، حرية "
فالإنسان قد يضحي بكل ما يملك ولكنه محال أن يضحي بحريته ، في عالم تسود فيه شريعة الغاب ، تلك الشريعة التي باتت مغلفة بغلاف السلام الوهمي!!.
وانتفضت ذرات الوطن العربي بأكمله ، فقد آن الاوان لكي يتم كسر حاجز الصمت المطبق الذي عشعش في المجتمعات سنين مغبرة ، آن الأوان لتتحرك الشعوب وتعلن عن مطالبها التي حرمت منها فيما مضى.
واذا ألقينا نظرة خاطفة للأوضاع الاجتماعية التي كانت سائدةً في المجتمعات العربية قبل اندلاع الثورات ، لرأينا حالاً مؤسفاً حقاً ، فالطبقية واضحه للعيان وفي كثير من مجتمعات الثائرة كانت الطبقة الوسطى مخفيه ان لم تكن متلاشيه تماماً ، كان الفساد الاداري يجول ويصول ضارباً بالقيم الأخلاقية عرض الحائط ، كان الشاب الجامعي يهيم على وجه الارض باحثا عن مكان يحتضن شهادته التي قضى زهرة عمره في تحصيلها وفي رسم طموحاته الكبيرة عليها، باختصار كان الحال مترديا جدا لدرجة ان السكان ما عادوا يجدون غير القبور ليعيشوا فيها!
وبعد أن اشتعلت نيران الغضب في شوارع العالم العربي ، سقطت أنظمة حاكمة في كل من تونس وليبيا ومصر واليمن ، بينما لاتزال النهاية مجهولة في سوريا ، لاتزال ترقد هناك في مرقدها الخفي تنظر للأحداث بعين داميه إلا أن يحسم البشر ما بينهم.
وفي دول أخرى أسفرت تلك الثورات عن إصلاحات اجتماعية واقتصادية وسياسية ، تماشياً مع مطالب الشعوب.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا ، أهو ربيع عربي مزهر كحال كل ربيع ؟! أم أن ما يحدث مجرد تساقط أوراق خريف؟
هل ستنجح الشعوب في تحقيق مآربها ؟ والى أي مدى يمكن أن تصل الحكومات الجديدة في قدرتها على ترسيخ الحكم العادل؟
فما خلفته هذه الثورات ليس بالأمر الهين ، المجتمعات تمر الآن بمرحلة ميلاد جديد ، مرحلة تحدي أمام الأنظمة القائمة ، إما أن تثبِت مقامها او تلملم أوراقها وترحل مثل سابقتها . فسقوط الأنظمة الفاسدة مجرد خطوة اولى ، أو لنقل طوب الاساس لبناء التغيير، إذ لاتزال الاوضاع غير مستقرة ، لاتزال الهمهمات المتسائلة من هنا وهناك تحوم في الافق الى أين نصل من كل هذا؟ ولعل هناك من اغمض عينيه متنفساً بعمق بعد أن مزق صورة الامس راسماً في مخيلته صورة مثالية لحال مجتمعه بتولي نظام جديد مقاليد الحكم!.
تحتاج الحكومات الجديدة الى خطط تنموية مستديمة جديدة ، تساير التقدم الحاصل في العالم أجمع ، إنها الآن أمام تحدي قوي ، فهي لابد أن تعيد الاستقرار أولاً إذ لاتزال حرارة الثورة في نفوس جموع الشعب ، لابد أن تضع في حسبانها أن شعوبها صارت أكثر وعياً من الامس ، ولابد أن تحتوي هذه الخطط وهذه السياسات الجديدة جميع جوانب المجتمع فلا تركز على جانب دون آخر ، وعليها أن تنظر الى صفحة الأمس نظرة من وعى الدرس ، والى المستقبل نظر تحدي تحمل في طياتها بذور التعقل والفطنة.
لا يسعنا سوى أن ننظر الى الغد بإشراق ، وأن مستقبل جديد سيكون في انتظار الأمة العربية والإسلامية ، فعهد الظلم والطغيان قد ولى بعد أن صحت الشعوب من مرقدها ، لنشيد بأنه كان ربيع عربي ليس كأي ربيع ، ربيع سيدوم أثره في كل الفصول ، لا نريد أن نقول تلك حقبة من الزمن مرت على عالمنا العربي كخريف مقيت أسقط أوراقه وأبقى الأشجار بلا لحاف تتدفئي به، وتعيد بها دورة حياته من جديد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق