الثلاثاء، 16 يوليو 2013

الحب يسود





  (الحب يسود) قصة قصيرة .       

أحببتُ الليل كشيء جميل.  يبعث في النفس راحة و سكينة  .   كنت كلما هممت بالنوم افتح ستار النافذة المجاورة لسريري و أتأمل تلك المخلوقات المشعة . التي تزين  وشاح السماء.  أنا و النجوم و رفيقنا القمر نتبادل سويا أحاديثاً شتى .أراني أغيب معهم في غياهب عالم آخر.  حيث أجد لأحلامي الصغيرة متنفسا لديهم.   ذات يوم  أزحت ستار النافذة وقد خبئت لأصدقائي البعيدين في عتمات الليل حكايات ممتعة ، ولكني تفاجأت بأن السماء صماء بعتمتها القاتمة. لا تنطق بشيء!!.  خرجت ابحث عنهم علني أجد أحداً منهم  يفسر لي سبب هذا  الغياب المرعب.  هالني ما رأيت عوضا عنهم ، إذا بالكون يلتحف السواد . وكأنه اعلن الحداد ! .  زاغت عيناي اذ أبصرتا كمّاً هائلاً من الدمار في كل بقعة .  جرتني قدماي إلى اللا مكان.  شاهدت طفلا يمد لي يده التي لم تكن   سوى عظم رقيق التصق به جلد شاحب.   كان ممسكاً بوعاء قذر . فهمت انه يطلب العون.  لم أُسقط في وعائه سوى الدموع.  وركضت بقوة. وهبتني إياها ذرات الأسى التي أشعلتها حالة الطفل المؤلمة في داخلي .  وقفت بعد ذلك  لألتقط أنفاسي المضطربة.  فإذا بي أمام حشد غفير. الكل يصرخ و يهدد بكلمات لا أفهمها .مشيت بحذر بجوار القوم وعندما ابتعدت بما يكفي إذا بالصراخ يعلو اكثر ،فبدت مني التفاته وجلة . فإذا بها معركة شرسة قد أعلنتها طلقات نارية دوت  بصوت كبير.    أكملت سيري وقد تملكني  الذعر.  صُوِبَت نحوي سهام عدة. سهام منبعثة من آلاف العيون التي كانت تحدق بي كأنني كائن غريب.    تلك امرأة مسنة أسندت ظهرها في جدار خرب. وقد أمسكت بطرف حجابها لتمسح دموعاً استعاضت بها عن كل الكلمات. إذ أن الكلمات ذاتها قد أتعبتها لكثر ما أخرجتها ولم تلق لها  أي صدى.  وهناك عن يميني امرأة ثكلى تضم طفلا بعمر الزهور تضرج بدماء ثخينة ، تاركا جسده الصغير في حضن الأم المفجوعة ،  أما روحه فقد حلقت بعيدا عن الأرض الملوثة بجراثيم الظلم و الفساد.   

و عن يساري شبحٌ لرجل مكبل بالقيود .  عيناه تحدقان في اللاشيء. وقد رسم في وجهه المتعب ابتسامة غامضة كأنه يبعث بها رسالةً لسجّانه الذي كان يمشي أمامه بعجرفة و غرور . ذلك الغرور الذي ينقلب إلى ذعر مشوه بغضب كاذب. حينما تبصر عيناه المختبئتان خلف نظارة سميكة أؤلئك الأقزام الصغار الذين راحوا يقذفونه بحجارة صغيرة.  و هم يطالبون بفك سراح الأسير الذي بدا وكأنه غير عابئ بكل ما يجري .  رحت ألتهم المسافات.  وعيناي تذرفان دمعاً لأجل كل من رأتاه.  

  و إذا بي فجأةً ابصر وميضا مشعا في السماء.  رحت اجري بسرعة و كلي شوق لرؤية أصدقائي الذين جئت ابحث عنهم. لعلهم ينتشلوني من هذا  الحزن الجاثم في كل زوايا الأرض.   ولكن حدسي لم يكن  في محله ، فما إن اقتربت حتى رأيت لهيبا مشتعلا . وفي لحظات أصبحت  كريشة تتطاير في مهب الريح.  لم اشعر إلا و  جسدي يتهاوى في قعرٍ سحيق.  

 فتحت عينان بتعب . دوارٌ وصداعٌ يفجران رأسي المثقل بكل الأحداث التي تخزنت فيه .  حاولت استيعاب الصور  المتراقصة أمام عيناي.     لقد اختفى البؤس.  اختفت ذبذبات الحزن و الصراخ التي كادت تقتلني.   ساعدتني قواي التي بدأت تذبل في الوقوف من جديد.  وجدت نفسي أسيرُ في عالم آخر.  الضوء لم يُعدم في هذا المكان .لكنه كان مزعجاً ، وحل مكان الصراخ المشحون بالغضب صراخ من نوع آخر . صراخ يتعالى بمجون في أرجاء المكان.   لهو وطرب . ضحكات علت بلا استحياء فوق دموع المرأة المسنة التي رأيتها قبل قليل.  

  كلا لم يكن هذا العالم الذي قُذِفتُ فيه أفضل حالا. هذا الصخب لم يروق لي.  بل راح يحارب طبلة أذني ليخترقها!!   مشيت بإرهاق و قد أغلقت أذناي بأصابعي .ضغطت عليهما بشدة لكي تختفي الأصوات ،وأنعم بقليل من الهدوء.   صرختُ وصرَختْ معي نفسي المشحونة بذرات الألم "أيا ليل التناقض انجلي".   استيقظت من نومي و أنا مذعورة ، إذن كان مجرد حلم ليس أكثر .   تنفست الصعداء و أمسكت بالستارة لكي أسامر القمر كعادتي ، ولكني تريثت قليلا وقد أفزعتني فكرة  تحول الحلم إلى حقيقه .  أبعدت الشكوك عني و أزحت الستارة.   رأيت القمر منيراً ، بدا باكتماله كبلورة مضيئة ، تذهب بلب الناظر إليها.   ابتسمت و قلت له:  انت هنا إذن لم تختفِ .  حدثتهُ عن حلمي المرعب و كيف بدا العَالم بوجهين. كم كان  قاسياً و مرعباً. 

  لم يُجِب علي . محتفظا بهدوئه المعتاد.   تأملته طويلا.  وراعتني رؤية مسحة الحزن التي بدت عليه .  ساءلت نفسي عن  سبب ذلك الوجه الحزين الذي لم يستطع نوره أن يخفي ألمه.   أجابتني:  وكيف لا يكون حزين و هو يرى ما رأيتِه في حلمك و اكثر!   يرى دماءً تستباح..  و نفوس تضطهد..  يشهد ذلك الكم الهائل من النفاق في العالم.  وكيف غدا البشري ذئبا شرسا يسفك دم أخيه ؟ يسمع ضجيج البشر و يرى تقلب أحوالهم.  أولا يحزن بعدها ؟  

كدت  أغلق الستارة ، لولا ذلك النور اللطيف الذي بعثه القمر إليّ.   قال لي باسماً : مهلك لا تغادري بوجه عابس هكذا .  ما يجرى في العالم مؤلمٌ حقا ، ولكن هذا لا يعني انه سيدوم .     الكون مليء بالمتناقضات..وهي سنة الله فيه.   خير و شر ، أمن و حرب ، جمال و قبح.   زاد من نوره وهمس: وليل و نهار.   ضعي هذا في الاعتبار ،  إقلبي المعادلة ، وتذكري ( الحب يسود ) فالخير هو اصل الوجود.  و ما الشر إلا  ضيفٌ ثقيل .استوطن في البلاد و العباد ، ولكن لا بد للمستوطن الغريب أن يرحل يوماً.   الحب يسود يا صديقتي  ، حتما سيسود.  

 تمــت.  



ليست هناك تعليقات: